سورة إبراهيم - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{وَإِذْ قَالَ إبراهيم} أي واذكر وقتَ قوله عليه الصلاة والسلام، والمقصودُ من تذكيره تذكيرُ ما وقع فيه من مقالاته عليه السلام على نهج التفصيل، والمرادُ به تأكيدُ ما سلف من تعجيبه عليه السلام ببيان فنٍ آخرَ من جناياتهم حيث كفروا بالنعم العامة وعصَوا أباهم إبراهيمَ عليه السلام حيث أسكنهم بمكة شرفها الله تعالى لإقامة الصلاةِ والاجتنابِ عن عبادة الأصنام والشكر لنعم الله تعالى، وسأله تعالى أن يجعله بلداً آمناً ويرزقَهم من الثمرات وتهويَ قلوبُ الناس إليهم من كل أَوب سحيقٍ فاستجاب الله تعالى دعاءَه وجعله حرماً آمناً تجبى إليه ثمراتُ كل شيء فكفروا بتلك النعم العظامِ واستبدلوا بالبلد الحرام دار البوار وجعلوا لله أنداداً وفعلوا ما فعلوا {رَبّ اجعل هذا البلد} يعني مكةَ شرفها الله سبحانه {مِنَ} أي ذا أمْنٍ أو آمناً أهلُه بحيث لا يُخاف فيه، على ما مر في سورة البقرة والفرق بينه وبين ما فيها من قوله: {رَبِّ اجعل هذا بَلَدًا آمِنًا} أن المسؤولَ هناك البلديةُ والأمنُ معها، وهاهنا الأمنُ فقط حيث جُعل هو المفعولَ الثانيَ للجعل وجُعل البلدَ صفةً للمفعول الأول، فإن حُمل على تعدد السؤال فلعله عليه السلام سأل أولاً كِلا الأمرين فاستُجيب له في أحدهما وتأخر الآخرُ إلى وقته المقدّر لما يقتضيه من الحكمة الداعيةِ إليه، ثم كَرّر السؤالَ كما هو المعتاد في الدعاء والابتهالِ، أو كان المسؤولُ أولاً مجردَ الأمنِ المصحِّح للسكن كما في سائر البلاد وقد أجيب إليه، وثانياً الأمنَ المعهودَ أو كان هو المسؤولَ فيهما وقد أجيب إليه أيضاً لكن السؤالَ الثانيَ للاستدامة، والاقتصارُ على ذلك لأنه المقصودُ الأصلي أو لأن المعتادَ في البلدية الاستمرارُ بعد التحقق بخلاف الأمن، وإن حمل على وحدة السؤال وتكرر الحكاية كما هو المتبادرُ فالظاهرُ أن المسؤول كِلا الأمرين، وقد حكي أولاً واقتُصر هاهنا على حكاية سؤال الأمنِ لا لمجرد أن نعمةَ الأمن أدخلُ في استيجاب الشكر فذِكرُه أنسبُ بمقام تقريعِ الكفرة على إغفاله كما قيل بل لأن سؤال البلدية قد حكي بقوله تعالى: {فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ} إذ المسؤولُ هُوِيّتُها إليهم للمساكنة معهم لا للحج فقط وهو عينُ سؤال البلدية قد حكي بعبارة أخرى وكان ذلك أولَ ما قدِم عليه السلام مكةَ، كما روى سعيدُ بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام لما أسكن إسماعيلَ وهاجرَ هناك وعاد متوجهاً إلى الشام تبِعتْه هاجرُ وجعلت تقول: إلى من تكِلُنا في هذا البلقع؟ وهو لا يرد عليها جواباً حتى قالت: آلله أمرك بهذا؟ فقال: نعم، قالت: إذاً لا يضيّعنا فرضِيَت، ومضى حتى إذا استوى على ثنية كَداء أقبل على الوادي فقال: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ} الآية، وإنما فصل ما بينهما تثنية للامتنان وإيذاناً بأن كلاًّ منهما نعمةٌ جليلةٌ مستتبعة لشكر كثير في قصة البقرة.
{واجنبنى وَبَنِىَّ} بعِّدني وإياهم {أَن نَّعْبُدَ الأصنام} واجعلنا منها في جانب بعيد أي ثبتنا على ما كنا عليه من التوحيد وملة الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام، وقرئ: {وأجنبْني} من الإفعال، وهما لغةُ أهلِ نجد، يقولون: جنّبني شرَّه وأجنبْني شرَّه، وأما أهلُ الحجاز فيقولون: جنّبني شره وفيه دليل على أن عصمةَ الأنبياء عليهم السلام بتوفيق الله تعالى، والظاهرُ أن المراد ببنيه أولادُ الصلبية فلا احتجاجَ به لابن عيينة رضي الله عنه على أن أحداً من أولاد إسماعيلَ عليه السلام لم يعبُد الصنم وإنما كان لكل قومٍ حجرٌ نصبوه، وقالوا: هو حجرٌ والبيتُ حجر، فكانوا يدورون به ويسمونه الدوار، فاستُحب أن يقال: طاف بالبيت ولا يقال دار بالبيت، وليت شعري كيف ذهب عليه ما في القرآن العظيم من قوارعَ تنعي على قريش عبادةَ الأصنام على أن فيما ذكره كرٌّ على ما فر منه.


{رَبّ إِنَّهُنَّ} أي الأصنامَ {أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} أي تسبّبن له كقوله تعالى: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} وهو تعليلٌ لدعائه وإنما صدّره بالنداء إظهاراً لاعتنائه به ورغبةً في استجابته {فَمَن تَبِعَنِى} منهم فيما أدعو إليه من التوحيد وملةِ الإسلام {فَإِنَّهُ مِنّى} أي بعضي قاله عليه السلام مبالغةً في بيان اختصاصِه به، أو متصلٌ بي لا ينفك عني في أمر الدين {وَمَنْ عَصَانِى} أي لم يتبعْني، والتعبيرُ عنه بالعصيان للإيذان بأن عليه السلام مستمرُّ الدعوة وأن عدم اتباعِ من لم يتبعْه إنما هو لعصيانه لا لأنه لم يبلُغْه الدعوة {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قادر على أن تغفِرَ له وترحَمه ابتداءً أو بعد توبتِه، وفيه أن كل ذنبٍ فلَّله تعالى أن يغفرَه حتى الشركُ خلا أن الوعيدَ قضى بالفرق بينه وبين غيره.
{رَبَّنَا} آثر عليه السلام ضمير الجماعةِ لا لما قيل من تقدم ذكرِه وذكرِ بنيه وإلا لراعاه في قوله: ربَّ إنهن الخ، لأن الدعاء المصدّرَ به وما أورده بصدد تمهيدِ مبادي إجابتهِ من قوله: {إِنَّى أَسْكَنتُ} الآية، متعلقٌ بذريته فالتعرضُ لوصف ربوبيته تعالى لهم أدخلُ في القبول وإجابةِ المسؤول {مِن ذُرّيَّتِى} أي بعضهم أو ذريةً من ذريتي فحُذف المفعولُ وهو إسماعيلُ عليه السلام وما سيولد له فإن إسكانَه حيث كان على وجه الاطمئنانِ متضمِّنٌ لإسكانهم. روي أن هاجرَ أمَّ إسماعيلَ عليه السلام كانت لسارة فوهبتْها من إبراهيمَ عليه السلام فلما ولدت له إسماعيلَ عليه السلام غارت عليهما فناشدته أن يُخرجَهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكةَ فأظهر الله تعالى عينَ زمزم {بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ} لا يكون فيه زرعُ أصلاً وهو وادي مكةَ شرفها الله تعالى {عِندَ بَيْتِكَ} ظرف لأسكنتُ، كقولك: صليت بمكةَ عند الركنِ، لا أنه صفةٌ لوادٍ أو بدل منه، إذ المقصودُ إظهارُ كونِ ذلك الإسكان مع فقدان مباديه بالمرة لمحض التقربِ إلى الله تعالى والالتجاءِ إلى جواره الكريم كما ينبىء عنه التعرّضُ لعنوان الحرمةِ المؤذِنِ بعزة الملتجأ وعصمتِه عن المكاره في قوله تعالى: {المحرم} حيث حُرّم التعرضُ له والتهاونُ به أو لم يزل معظّماً ممنّعاً يهابه الجبابرةُ في كل عصر، أو مُنع منه الطوفان فلم يستولِ عليه ولذلك سميَ عتيقاً، وتسميتُه إذ ذاك بيتاً ولم يكن له بناءٌ وإنما كان نشْزاً مثلَ الرَّابية تأتيه السيول فتأخد ذاتَ اليمين وذات الشمال ليست باعتبار ما سيؤول إليه الأمرُ من بنائه عليه السلام فإنه ينزِع إلى اعتبار عنوانِ الحرمة أيضاً كذلك بل إنما هي باعتبار ما كان من قبل فإن تعدد بناءِ الكعبةِ المعظمةِ مما لا ريب فيه وإنما الاختلافُ في كمية عددِه وقد ذكرناها في سورة البقرة بفضل الله تعالى.
{رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ} متوجّهين إليه متبرّكين به، وهو متعلقٌ بأسكنتُ وتخصيصُها بالذكر من بين سائر شعائرِ الدينِ لفضلها، وتكريرُ النداءِ وتوسيطُه لإظهار كمالِ العنايةِ بإقامة الصلاةِ والاهتمامِ بعرضِ أن الغرضَ من إسكانهم بذلك الوادي البلقعِ ذلك المقصدُ الأقصى والمطلب الأسنى، وكلُّ ذلك لتمهيد مبادىء إجابة دعائِه وإعطاء مسؤولِه الذين لا يتسنى ذلك المرامُ إلا به، ولذلك أُدخل عليه الفاء فقال: {فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس} أي أفئدةً من أفئدتهم، فمن للتبعيض، ولذلك قيل: لو قال: أفئدةَ الناسِ لازدحمت عليهم فارسُ والروم، وأما ما زيد عليه من قولهم: ولَحجّت اليهودُ والنصارى فغيرُ مناسب للمقام إذ المسؤولُ توجيهُ القلوب إليهم للمساكنة معهم لا توجيهُها إلى البيت للحج، وإلا لقيل: تهوي إليه، فإنه عينُ الدعاء بالبلدية قد حكي بعبارة أخرى كما مر، أو لابتداء الغاية كقولك: القلبُ منّي سقيمٌ أي أفئدةَ ناسٍ، وقرئ: {آفدةً} على القلب كآدر في أدؤر أو على أنه اسم فاعل من أفدت الرحلة أي عجِلت أي جماعةً من الناس و{أفِدَةً} بطرح الهمزة من الأفئدة أو على النعت من أفد {تَهْوِى إِلَيْهِمْ} تسرع إليهم شوقاً ووِداداً، وقرئ على البناء للمفعول من أهواه غيرُه وتهوى من باب علم أي تحبّ، وتعديته بإلى لتضمُّنه معنى الشوقِ والنزوعِ وأولُ آثارِ هذه الدعوة ما روي أنه مرت رِفقةٌ من جُرهُم تريد الشامَ فرأوا الطيرَ تحوم على الجبل فقالوا: إن هذا الطائر لعائف على الماء فأشرفوا فإذا هم بهاجرَ، فقالوا لها: إن شئت كنا معك وآنسناك والماءُ ماؤك فأذِنت لهم وكانوا معها إلى أن شبّ إسماعيلُ عليه السلام وماتت هاجرُ فتزوج إسماعيلُ منهم كما هو المشهور.
{وارزقهم} أي ذريتي الذين أسكنتُهم هناك أو مع من ينحاز إليهم من الناس. وإنما لم يخصَّ الدعاء بالمؤمنين منهم كما في قوله: {وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات مَنْ ءامَنَ مِنْهُم بالله واليوم الأخر} اكتفاءً بذكر إقامة الصلاة {مِنَ الثمرات} من أنواعها بأن يَجعلَ بقرب منه قُرىً يحصُل فيها ذلك أو يجبى إليه من الأقطار الشاسعةِ وقد حصل كلاهما حتى إنه يجتمع فيه الفواكهُ الربيعيةُ والصيفيةُ والخريفيةُ في يوم واحد، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الطائفَ كانت من أرض فلسطين فلما دعا إبراهيمُ عليه السلام بهذه الدعوة رفعها الله تعالى ووضعها حيث وضعها رزقاً للحرَم. وعن الزهري رضي الله عنه أنه تعالى نقل قرية من قرى الشامِ فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيمَ عليه السلام {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} تلك النعمةَ بإقامة الصلاةِ وأداءِ سائر مراسمِ العبودية، وقيل: اللامُ في ليقيموا لامُ الأمرِ والمرادُ أمرُهم بإقامة الصلاة والدعاء من الله تعالى بتوفيقهم لها ولا يناسبه الفاء في قوله تعالى: {فاجعل} الخ، وفي دعائه عليه السلام من مراعاة حسنِ الأدبِ والمحافظة على قوانين الضَّراعةِ وعرضِ الحاجة واستنزالِ الرحمةِ واستجلابِ الرأفة ما لا يخفى، فإنه عليه السلام بذكر كونِ الوادي غيرَ ذي زرعٍ بيّن كمالَ افتقارِهم إلى المسؤول، وبذكر كونِ إسكانِهم عند البيت المحرم أشار إلى أن جِوارَ الكريم يستوجب إفاضةَ النعيم، وبعرض كونِ ذلك الإسكانِ مع كمال إعوازِ مرافقِ المعاش لمحض إقامةِ الصلاةِ وأداء حقوقِ البيت مهّد جميعَ مبادي إجابةِ السؤال، ولذلك قُرنت دعوتُه عليه السلام بحُسنِ القبول.


{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ} من الحاجات وغيرِها، والمرادُ بما نُخفي ما يقابل ما نعلن سواءٌ تعلق به الإخفاءُ أو لا، أي تعلم ما نظهره وما لا نظهره فإن علمَه تعالى متعلّقٌ بما لا يخطُر بباله مما فيه من الأحوال الخفية فضلاً عن إخفائه، وتقديمُ ما نخفي على ما نعلن لتحقيق المساواةِ بينهما في تعلق العلم بهما على أبلغ وجهٍ فكأن تعلقه بما يخفى أقدمُ منه بما يُعلن، أو لأن مرتبة السرِّ والخفاءِ متقدمةٌ على مرتبة العلن إذ ما من شيء يُعلن إلا وهو قبل ذلك خفيٌّ فتعلقُ علمِه سبحانه بحالته الأولى أقدمُ من تعلقه بحالته الثانية، وقصدُه عليه السلام أن إظهارَ هذه الحاجات وما هو من مباديها وتتماتها ليس لكونها غيرَ معلومةٍ لك، بل إنما هو لإظهار العبوديةِ والتخشّعِ لعظمتك، والتذلّل لعزتك، وعرضِ الافتقارِ إلى ما عندك، والاستعجالِ لنيل أياديك. وتكريرُ النداءِ للمبالغة في الضراعة والابتهال، وضميرُ الجماعة لأن المرادَ ليس مجردَ علمِه تعالى بسرِّه وعلنه بل بجميع خفايا المُلك والملَكوت وقد حققه بقوله على وجه الاعتراض: {وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَىْء فَى الأرض وَلاَ فِى السماء} لما أنه العالمُ بالذات فما من أمر يدخُل تحت الوجود كائناً ما كان في زمان من الأزمان إلا ووجودُه في ذاته علمٌ بالنسبة إليه سبحانه، وإنما قال: وما يخفي على الله الخ، دون أن يقول: ويعلم ما في السموات والأرض تحقيقاً لما عناه بقوله: تعلم ما نخفي من أن علمَه تعالى بذلك ليس على وجه يكون فيه شائبةُ خفاءٍ بالنسبة إلى علمه تعالى كما يكون ذلك بالنسبة إلى علوم المخلوقاتِ، وكلمةُ في متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً لشيءٍ، أي من شيء كائنٍ فيهما، أعمُّ من أن يكون ذلك على وجه الاستقرار فيهما، أو على وجه الجزئيةِ منهما أو بيخفى، وتقديمُ الأرض على السماء مع توسيط لا بينهما باعتبار القربِ والبعدِ منا المستدعِيَين للتفاوت بالنسبة إلى علومنا، والالتفاتُ من الخطاب إلى اسم الذاتِ المستجمعةِ للصفات لتربية المهابةِ والإشعارِ بعلة الحُكمِ على نهج قوله تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير} والإيذانِ بعمومه لأنه ليس بشأن يُختص به أو بمن يتعلق به، بل شاملٌ لجميع الأشياء فالمناسبُ ذكرُه تعالى بعنوان مصحِّحٍ لمبدإ الكلّ، وقيل: هو من كلام الله عز وجل وارد بطريق الاعتراض لتصديقه عليه السلام كقوله سبحانه: {وكذلك يَفْعَلُونَ} ومن للاستغراق على الوجهين.
{الحمد للَّهِ الذى وَهَبَ لِى عَلَى الكبر} أي مع كِبَري ويأسي عن الولد، قيّد الهبةَ به استعظاماً للنعمة وإظهاراً لشكرها {إسماعيل وإسحاق} رُوي أنه وُلد له إسماعيلُ وهو ابنُ تسعٍ وتسعين سنة، وولد له إسحاقُ وهو ابن مائةٍ واثنتي عشرة سنة أو مائة وسبعَ عشرة سنة.
{إِنَّ رَبّى} ومالكَ أمري {لَسَمِيعُ الدعاء} لمجيبُه، من قولهم: سمِع الملكُ كلامَه إذا اعتدّ به، وهي من أبنية المبالغةِ العاملة عمَلَ الفعل أُضيف إلى مفعولِه أو فاعلِه بإسناد السماعِ إلى دعاء الله تعالى مجازاً، وهو مع كونه من تتمة الحمدِ والشكر إذ هو وصفٌ له تعالى بأن ذلك الجميلَ سنّته المستمرّةُ تعليلٌ على طريقة التذييل للهبة المذكورة، وفيه إيذانٌ بتضاعف النعمة فيها حيث وقعت بعد الدعاءِ بقوله: {رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} فاقترنت الهبةُ بقبول الدعوةِ، وتوحيدُ ضمير المتكلم وإن كان عَقيبَ ذكرِ هبتهما لما أن نعمةَ الهبةِ فائضةٌ عليه خاصة وهما من النعم لا من المنعَم عليهم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10